تشكل زيارة الوفد الروسي إلى لبنان والمشاريع التي عرض إقامتها لمساعدة لبنان على معالجة أبرز أزماته، تشكل فرصة ثمينة من المفترض أن يتلقفها لبنان، وعدم إضاعتها، لأنها بمثابة طاقة فرج حقيقية لحلّ أزمة الكهرباء عبر بناء معملين للإنتاج، وإنشاء مصفاتين للنفط وإعادة بناء مرفأ بيروت وتطوير مرفأ طرابلس وإنشاء إهراءات جديدة للقمح وفق نظام BOT.
هذه العروض الروسية المهمة لا تكلف لبنان أيّ أعباء، بل تمكنه من تجاوز أخطر أزماته وهي أزمة الكهرباء المزمنة، والنزيف المتواصل للخزينة والاحتياط الإلزامي العائد المودعين، وحلّ أزمة تأمين المشتقات النفطية.. وبالتالي تقليص العجز في الموازنة والطلب على الدولار لاستيراد المشتقات النفطية، واستطراداً وضع حدّ لإذلال المواطنين من قبل مافيا النفط…
على أنّ هذه العروض الروسية تأتي لتؤكد أنّ هناك حلولاً للأزمات المتفاقمة، وأنّ هذه الحلول ليست مشروطة، ولبنان بأمسّ الحاجة اليها، وعدم إضاعة المزيد من الوقت في الامتناع عن قبولها، فهو دفع ثمناً كبيراً لأنه رفض العروض الصينية والإيرانية والعراقية السخية التي لو أنه قبلها قبل سنة ونصف السنة لكان تمّ توفير أموال طائلة من احتياط الدولار في مصرف لبنان، والتي جرى إنفاقها على ما سُمّي بالدعم الذي ذهب جلّه لمصلحة التجار… بعد أن ضاع الوقت في الصراعات السياسية التي غذتها ولا تزال التدخلات الأميركية الأوروبية…!
فهل تعتبر الحكومة والمسؤولين مما حصل من إضاعة للوقت دون طائل، وإدراك المخاطر الكبيرة من وراء الخضوع للفيتو الأميركي برفض عروض المساعدات السخية، لإبقاء لبنان من دون حلول لأزماته حتى تتمكن واشنطن من إخضاعه وفرض شروطها واملاءاتها عليه…
انّ الفرصة متاحة مجدّداً أمام لبنان للخروج من نفق الأزمة وسلوك طريق الحلول للأزمات المتراكمة، والتجربة تبرهن كلّ يوم انّ ما هو مطلوب اتخاذ القرار الوطني الذي ينطلق من مصلحة لبنان أولاً وأخيراً، بعيداً عن أيّ حسابات ذاتية أو ارتهان لإملاءات دول خارجية تريد الاستثمار في معاناة اللبنانيين، لأجل تحقيق أهدافها السياسية.
ليس مطلوباً الانحياز إلى جانب الشرق ضد الغرب او العكس، بل الانحياز لمصلحة لبنان، بأن يقيم علاقاته الاقتصادية مع دول العالم بما يعود بالمنفعة عليه أولاً وأخيراً، وعندما يتمّ اتباع مثل هذه السياسة سوف يجد لبنان جميع الدول في الغرب كما الشرق تتنافس على تقديم المساعدات له للنهوض باقتصاده وقطاعاته الخدماتية وبالتالي وضع حدّ لأزماته ومعاناة شعبه…
وعلى لبنان ان يحذو حذو دول عديدة تقيم علاقات اقتصادية مع دول في الشرق والغرب تعود عليها بالمنفعة الكبيرة، مثل باكستان والهند وألمانيا وإيطاليا إلخ… فهذه الدول بعضها في الحلف الأطلسي وبعضها الآخر له علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك تربطها علاقات اقتصادية وتجارية مع كلّ من الصين وروسيا، رغم الخلافات السياسية… فالعالم أصبح متداخلاً اقتصادياً والعلاقات بين الدول تقوم على المصالح وإنْ اختلفت سياسياً…
فهل يدرك المسؤولون ذلك ويخرجون من أسر العلاقات الأحادية مع الغرب والتي ولى عهدها، وثبت انها تكبل لبنان
وتجعله غير قادر على التطور والتقدم.. ومعالجة أزماته..